فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)}.
وفي نصر الله تعالى وجوه: الأول: إن تنصروا دين الله وطريقه والثاني: إن تنصروا حزب الله وفريقه الثالث: المراد نصرة الله حقيقة. فنقول النصرة تحقيق مطلوب أحد المتعاديين عند الاجتهاد والأخذ في تحقيق علامته. فالشيطان عدوالله يجتهد في تحقيق الكفر وغلبة أهل الإيمان. والله يطلب قمع الكفر وإهلاك أهله وإفناء من اختار الإشراك بجهله. فمن حقق نصرة الله حيث حقق مطلوبه لا تقول حقق مراده فإن مراد الله لا يحققه غيره. ومطلوبه عند أهل السنة غير مراده فإنه طلب الإيمان من الكافر ولم يرده وإلا لوقع.
ثم قال: {يَنصُرْكُمُ} فإن قيل فعلام قلت إذا نصر المؤمنين الله تعالى. فقد حقق ما طلبه. فكيف يحقق ما طلبه العبد وهو شيء واحد. فنقول المؤمن ينصر الله بخروجه إلى القتال وإقدامه. والله ينصره بتقويته وتثبيت أقدامه. وإرسال الملائكة الحافظين له من خلفه وقدامه.
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)}.
هذا زيادة في تقوية قلوبهم. لأنه تعالى لما قال: {وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7] جاز أن يتوهم أن الكافر أيضًا يصير ويثبت للقتال فيدوم القتال والحراب والطعان والضراب. وفيه المشقة العظيمة فقال تعالى: لكم الثبات ولهم الزوال والتغير والهلاك فلا يكون الثبات. وسببه ظاهر لأن الهتهم جمادات لا قدرة لها ولا ثبات عند من له قدرة. فهي غير صالحة لدفع ما قدره الله تعالى عليهم من الدمار. وعند هذا لابد عن زوال القدم والعثار. وقال في حق المؤمنين {وَيُثَبّتْ} بصيغة الوعد لأن الله تعالى لا يجب عليه شيء. وقال في حقهم بصيغة الدعاء. وهي أبلغ من صيغة الإخبار من الله لأن عثارهم واجب لأن عدم النصرة من الهتهم واجب الوقوع إذ لا قدرة لها والتثبيت من الله ليس بواجب الوقوع. لأنه قادر مختار يفعل ما يشاء.
وقوله: {وَأَضَلَّ أعمالهم} إشارة إلى بيان مخالفة موتاهم لقتلى المسلمين. حيث قال في حق قتلاهم {فَلَن يُضِلَّ أعمالهم} [محمد: 4] وقال في موتى الكافرين {وَأَضَلَّ أعمالهم} ثم بيّن الله تعالى سبب ما اختلفوا فيه فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)}.
وفيه وجوه الأول: المراد القرآن. ووجهه هو أن كيفية العمل الصالح لا تعلم بالعقل وإنما تدرك بالشرع والشرع بالقرآن فلما أعرضوا لم يعرفوا العمل الصالح وكيفية الإتيان به. فأتوا بالباطل فأحبط أعمالهم الثاني: {كَرِهواْ مَا أَنزَلَ الله} من بيان التوحيد كما قال الله تعالى عنهم {أئنا لتاركوالهتنا} [الصافات: 36] وقال تعالى: {أَجَعَلَ الالهة إلها واحدا} إلى أن قال: {إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق} [ص: 5 7] وقال تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ اشمأزت قُلُوبُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة} [الزمر: 45] ووجهه أن الشرك محبط للعمل. قال الله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وكيف لا والعمل من المشرك لا يقع لوجه الله فلا بقاء له في نفسه ولا بقاء له ببقاء من له العمل. لأن ما سوى وجه الله تعالى هالك محبط الثالث: {كَرِهواْ مَا أَنزَلَ الله} من بيان أمر الآخرة فلم يعملوا لها. والدنيا وما فيها ومالها باطل. فأحبط الله أعمالهم.
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وللْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10)}.
فيه مناسبة للوجه الثالث يعني فينظروا إلى حالهم ويعلموا أن الدنيا فانية.
وقوله: {دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ} أي أهلك عليهم متاع الدنيا من الأموال والأولاد والأزواج والأجساد.
وقوله تعالى: {وللكافرين أمثالها} يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون المراد لهم أمثالها في الدنيا. وحينئذ يكون المراد من الكافرين هم الكافرون بمحمد عليه الصلاة والسلام وثانيهما: أن يكون المراد لهم أمثالها في الآخرة. فيكون المراد من تقدم كأنه يقول: دمر الله عليهم في الدنيا ولهم في الآخرة أمثالها. وفي العائد إليه ضمير المؤنث في قوله: {أمثالها} وجهان أحدهما: هو المذكور وهو العاقبة وثانيهما: هو المفهو م وهو العقوبة. لأن التدمير كان عقوبة لهم. فإن قيل على قولنا المراد للكافرين بمحمد عليه السلام أمثال ما كان لمن تقدمهم من العاقبة يرد سؤال. وهو أن الأولين أهلكوا بوقائع شديدة كالزلازل والنيران وغيرهما من الرياح والطوفان. ولا كذلك قوم محمد صلى الله عليه وسلم. نقول جاز أن يكون عذابهم أشد من عذاب الأولين لكون دين محمد أظهر بسبب تقدم الأنبياء عليهم السلام عليه وإخبارهم عنه وإنذارهم به على أنهم قتلوا وأسروا بأيديهم من كانوا يستخفونهم ويستضعفونهم والقتل بيد المثل الم من الهلاك بسبب عام وسؤال آخر: إذا كان الضمير عائدًا إلى العاقبة فكيف يكون لها أمثال؟ قلنا يجوز أن يقال المراد العذاب الذي هو مدلو ل العاقبة أو الألم الذي كانت العاقبة عليه.
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مولى الَّذِينَ آمنوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مولى لَهُمْ (11)}.
{ذلك} يحتمل أن يكون إشارة إلى النصر وهو اختيار جماعة ذكره الواحدي. ويحتمل وجهًا آخر أغرب من حيث النقل. وأقرب من حديث العقل. وهو أنا لما بينا أن قوله تعالى: {وللكافرين أمثالها} [محمد: 10] إشارة إلى أن قوم محمد عليه الصلاة والسلام أهكلوا بأيدي أمثالهم الذين كانوا لا يرضون بمجالستهم وهو الم من الهلاك بالسبب العام. قال تعالى: {ذلك} أي الأهلاك والهوان بسبب أن الله تعالى ناصر المؤمنين. والكافرون اتخذوا الهة لا تنفع ولا تضر. وتركوا الله فلا ناصر لهم ولا شك أن من ينصره الله تعالى يقدر على القتل والأسر وإن كان له ألف ناصر فضلًا عن أن يكون لا ناصر لهم. فإن قيل كيف الجمع بين قوله تعالى: {لاَ مولى لَهُمْ} وبين قوله: {مو لاهم الحق} [الأنعام: 62] نقول المولى ورد بمعنى السيد والرب والناصر فحيث قال: {لاَ مولى لَهُمْ} أراد لا ناصر لهم. وحيث قال: {مو لاهم الحق} أي ربهم ومالكهم. كما قال: {يَا أَيُّهَا الناس اتقوا رَبَّكُمُ} [النساء: 1] وقال: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَآبائكم الأولين} [الشعراء: 26] وفي الكلام تباين عظيم بين الكافر والمؤمن لأن المؤمن ينصره الله وهو خير الناصرين. والكافر لا مولى له بصيغة نافية للجنس. فليس له ناصر وإنه شر الناصرين. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ} أي إن تنصروا دين الله ينصركم على الكفار.
نظيره: {وليَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} وقد تقدّم.
وقال قُطْرُب: إن تنصروا نبيّ الله ينصركم الله؛ والمعنى واحد.
{وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} أي عند القتال.
وقيل على الإسلام.
وقيل على الصراط.
وقيل: المراد تثبيت القلوب بالأمن؛ فيكون تثبيت الأقدام عبارةً عن النصر والمعونة في موطن الحرب.
وقد مضى في (الأنفال) هذا المعنى.
وقال هناك: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الملائكة أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الذين آمنوا} [الأنفال: 12] فأثبت هناك (واسطة ونفاها هنا)؛ كقوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت} [السجدة: 11] ثم نفاها بقوله: {الله الذي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} [الروم: 0 4].
{الذي خَلَقَ الموت والحياة} [الملك: 2] ومثله كثير؛ فلا فاعل إلا الله وحده.
قوله تعالى: {والذين كَفَرُواْ} يحتمل الرفع على الابتداء. والنصب بما يفسره {فَتَعْسًا لَهُمْ} كأنه قال: أتْعَسَ الذين كفروا.
و{تَعْسًا لَهُمْ} نصب على المصدر بسبيل الدعاء؛ قاله الفرّاء. مثل سَقْيًا له ورَعْيًا.
وهونقيض لَعًا له.
قال الأعشى:
فالتَّعْس أولى لها من أن أقول لَعَا

وفيه عشرة أقوال: الأول بُعْدًا لهم؛ قاله ابن عباس وابن جريج.
الثاني حُزْنًا لهم؛ قاله السدي.
الثالث شقاء لهم؛ قاله ابن زيد.
الرابع شَتْمًا لهم من الله؛ قاله الحسن.
الخامس هلاكًا لهم؛ قاله ثعلب.
السادس خَيْبَةً لهم؛ قاله الضحاك وابن زيد.
السابع قبحًا لهم؛ حكاه النقاش.
الثامن رغمًا لهم؛ قاله الضحاك أيضًا.
التاسع شَرًّا لهم؛ قاله ثعلب أيضًا.
العاشر شِقْوة لهم؛ قاله أبو العالية.
وقيل: إن التَّعْس الأنحطاط والعِثار.
قال ابن السِّكّيت: التعس أن يَخِرّ على وجهه.
والنَّكْس أن يَخِرّ على رأسه.
قال: والتعس أيضًا الهلاك.
قال الجوهري: وأصله الكَبّ. وهو ضدّ الأنتعاش.
وقد تَعَس (بفتح العين) يَتْعَس تَعْسًا. وأتعسه الله.
قال مُجَمِّع بن هلال:
تقول وقد أفردْتُها من خَلِيلها ** تَعِسْتَ كما أتْعَسْتَنِي يا مُجَمِّعُ

يقال: تعسًا لفلأن؛ أي ألزمه الله هلاكًا.
قال القُشَيْرِي: وجوّز قوم تعِس (بكسر العين).
قلت: ومنه حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَعِس عَبْدُ الدينار والدرهم والقَطِيفة والخَمِيصة إن أُعطِي رَضِيَ وإن لم يُعْطَ لم يرض» خرّجه البخاري.
في بعض طرق هذا الحديث «تعس وانتكس وإذا شِيك فلا انتقش» خرّجه ابن ماجه.
قوله تعالى: {وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أي أبطلها لأنها كانت في طاعة الشيطان.
ودخلت الفاء في قوله: {فَتَعْسًا} لأجل الإبهام الذي في {الَّذِينَ}. وجاء {وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} على الخبر حملًا على لفظ الذين؛ لأنه خبر في اللفظ. فدخول الفاء حملًا على المعنى. {وأضلّ} حَمْلًا على اللفظ.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)} أي ذلك الإضلال والإتعاس؛ لأنهم {كَرِهواْ مَا أَنزَلَ الله} من الكتب والشرائع.
{فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} أي ما لهم من صور الخيرات. كعمارة المسجد وقِرى الضيف وأصناف القُرَب. ولا يَقْبَل الله العمل إلا من مؤمن.
وقيل: أحبط أعمالهم أي عبادة الصنم.
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وللْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10)}.
بيّن أحوال المؤمن والكافر تنبيهًا على وجوب الإيمان. ثم وصل هذا بالنظر؛ أي ألم يَسِر هؤلاء في أرض عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ليعتبروا بهم {فَيَنظُرُواْ} بقلوبهم {كَيْفَ كَانَ} آخر أمر الكافرين قبلهم {دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ} أي أهلكهم واستأصلهم.
يقال: دمّره تدميرًا. ودمّر عليه بمعنًى.
ثم تواعد مشركي مكة فقال: {وللْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} أي أمثال هذه الفعلة؛ يعني التدمير.
وقال الزجاج والطبري: الهاء تعود على العاقبة؛ أي وللكافرين من قريش أمثال عاقبة تكذيب الأمم السالفة إن لم يؤمنوا.
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مولى الَّذِينَ آمنوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مولى لَهُمْ (11)} أي وليهم وناصرهم.
وفي حرف ابن مسعود {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ ولي الَّذِينَ آمنوا}.
فالمولى: الناصر هاهنا؛ قاله ابن عباس وغيره.
قال:
فَغدَت كِلاَ الفَرْجَيْن تحسِب أنه ** مولى المخافة خَلْفُها وأمامها

قال قتادة: نزلت يوم أُحُد والنبيّ صلى الله عليه وسلم في الشِّعب. إذ صاح المشركون: يومٌ بيوم. لنا العُزّى ولا عُزَّى لكم؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قولوا الله مولانا ولا مولى لكم» وقد تقدّم.
{وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ} أي لا ينصرهم أحد من الله. اهـ.

.قال أبو السعود:

{يا أَيُّهَا الذين ءآمنوا إِن تَنصُرُواْ الله} أي دينَه ورسوله {يَنصُرْكُمُ} على أعدائِكم ويفتحْ لكُم {وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ} في مواطنِ الحربِ ومواقفِها أو على مَحَجةِ الإسلامِ.
{والذين كَفَرُواْ فَتَعْسًا لَّهُمْ} التعسُ الهلاكُ والعِثارُ والسقوطُ والشرُّ والبعدُ والأنحطاطُ. ورجلٌ تاعسٌ وتَعِسٌ. وانتصابُه بفعلِه الواجبِ حذفُه سماعًا أي فقال تعسًا لهم أوفقضى تعسًا لهم. وقوله تعالى: {وَأَضَلَّ أعمالهم} عطفٌ عليهِ داخلٌ معه في حيزِ الخبريةِ للموصول.
{ذلك} أي ما ذُكِرَ من التعسِ وإضلالِ الأعمالِ {بِأَنَّهُمْ} بسببِ أنَّهم {كَرِهواْ مَا أَنزَلَ الله} من القرآن لما فيهِ من التوحيدِ وسائرِ الأحكامِ المخالفةِ لما ألِفُوه واشتهتْهُ أنفسُهم الأمارةُ بالسُّوءِ {فَأَحْبَطَ} لأجلِ ذلكَ {أعمالهم} التي لوكانُوا عملوها مع الإيمان لأُثيبُوا عليَها.
{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ في الأرض} أي أقَعدُوا في أماكنِهم فلم يسيرُوا فيها {فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ} من الأممِ المكذبةِ فإنَّ آثار ديارِهم تنبىءُ عن أخبارِهم. وقوله تعالى: {دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ} استئنافٌ مبنيٌّ على سؤالٍ نشأَ من الكلامِ كأنَّه قيلَ كيفَ كان عاقبتُهم فقيلَ استأصلَ الله تعالى عليهم ما اختصَّ بهم من أنفسِهم وأهليِهم وأموالِهم. يقال دمَّره أهلكَه ودمَّر عليهِ أهلكَ عليهِ ما يختصُّ بهِ.
{وللكافرين} أي ولهؤلاءِ الكافرينَ السائرينَ بسيرتِهم {أمثالها} أمثالُ عواقبِهم أو عقوباتِهم لكنْ لا على أنَّ لهؤلاءِ أمثالَ ما لأولئكَ وأضعافَهُ. بلْ مثلَه. وإنما جُمعَ باعتبارِ مماثلتِه لعواقبَ متعددةٍ حسبَ تعددِ الأممِ المُعذبةِ. وقيلَ يجوزُ أن يكونَ عذابُهم أشدَّ من عذابِ الأولين وقد قُتلوا وأُسروا بأيدِي من كانُوا يستخفّونهم ويستضعفونهم والقتلُ بيد المثلِ أشدُّ ألمًا من الهلاكِ بسببٍ عامٍ. وقيلَ المرادُ بالكافرينَ المتقدمونَ بطريقِ وضعِ الظاهرِ موضعَ الضميرِ. كأنَّه قيلَ دمَّر الله عليهم في الدُّنيا ولهُم في الآخرة أمثالُها.
{ذلك} إشارةٌ إلى ثبوتِ أمثالِ عقوبةِ الأممِ السَّالفةِ لهؤلاءِ {بِأَنَّ الله مولى الذين ءَآمنوا} أي ناصرُهم على أعدائِهم. وقرىء ولي الذينَ {وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ} فيدفعُ عنُهم ما حلَّ بهم من العقوبةِ والعذابِ ولا يُخالفُ هَذا قوله تعالى: {ثُمَّ رُدُّواْ إلى الله مو لاهم الحق} فإنَّ المولى هُناكَ بمعنى المالِك. اهـ.